فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية:

{لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ}.
قالت فرقة {مثل} في هذه الآية بمعنى صفة، أي لهؤلاء صفة السوء ولله الوصف الأعلى.
قال القاضي أبو محمد: وهذا لا يضطر إليه، لأنه خروج عن اللفظ، بل قوله: {مثل} على بابه، وذلك أنهم إذا قالوا إن البنات لله فقد جعلوا له مثلًا أبا البنات من البشر، وكثرة البنات عندهم مكروه ذميم، فهو مثل السوء الذي أخبر الله تعالى أنه لهم ليس في البنات فقط، لكن لما جعلوه هم في البنات جعله هو لهم على الإطلاق في كل سوء، ولا غاية أبعد من عذاب النار، وقوله: {ولله المثل الأعلى} على الإطلاق أيضًا في الكمال المستغني، وقال قتادة: {المثل الأعلى} لا إله إلا الله، وباقي الآية بين، وقوله: {ولو يؤاخذ الله الناس} الآية، وآخذ هو تفاعل من أخذ، كأن أحد المتواخذين يأخذ من الآخر، إما بمعصية كما هي في حق الله تعالى، أو بإذاية في جهة المخلوقين، فيأخذ الآخر من الأول بالمعاقبة والجزاء، وهي لغتان واخذ وآخذ، و{يؤاخذ} يصح أن يكون من آخذ، وأما كونها من واخذ فبين، والضمير في {عليها} عائد على الأرض، وتمكن ذلك مع أنه لم يجر لها ذكر لشهرتها، وتمكن الإشارة لها كما قال لبيد في الشمس:
حتى إذا ألقت يدًا في كافر ** وأجنَّ عورات البلاد ظلامُها

ومنه قول تعالى: {حتى توارت بالحجاب} [ص: 32]، ولم يجر للشمس ذكر، وقوله: {من دابة} دخلت {من} لاستغراق الجنس، وظاهر الآية أن الله تعالى أخبر أنه لم أخذ الناس بعقاب يستحقونه بظلمهم في كفرهم ومعاصيهم لكان ذلك العقاب يهلك منه جميع ما يدب على الأرض من حيوان فكأنه بالقحوط أو بأمر يصيبهم من الله تعالى، وعلى هذا التأويل قال بعض العلماء: كاد الجُعَل أن يهلك بذنوب بني آدم، ذكره الطبري، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تعالى ليهزل الحوت في الماء والطير في الهواء بذنوب العصاة» وسمع أبو هريرة رجلًا يقول: إن الظالم لا يهلك إلا نفسه، فقال أبو هريرة: بلى إن الله ليهلك الحبارى في وكرها هزلًا بذنوب الظلمة، وقد نطقت الشريعة في أخبارها بأن الله تعالى أهلك الأمم بريها وعاصيها بذنوب العصاة منهم، وقالت فرقة: قوله: {من دابة}، يريد من أولئك الظلمة فقط، ويدل على هذا التخصيص، أن الله لا يعاقب أحدًا بذنب أحد، واحتجب بقول الله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى} [الأنعام: 164]، وهذا معنى آخر، وذلك أن الله تعالى لا يجعل العقوبة تقصد أحدًا بسبب إِذْنَاب غيره، ولكن إذا أرسل عذابًا على أمة عاصية، لم يمكن البري التخليص من ذلك العذاب، فأصابه العذاب لا بأنه له مجازاة، ونحو هذا قوله: {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} [الأنفال: 25]، وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال «نعم إذا كثر الخبث»، ثم لابد من تعلق ظلم ما بالأبرياء، وذلك بترك التغير ومداهنة أهل الظلم ومداومة جوارهم، والأجل المسمى في هذه الآية هو بحسب شخص شخص، وفي معنى الآية مع أمائرها اختصار وإيجاز، وقوله: {ما يكرهون} يريد البنات، و{ما} في هذا الموضع تقع لمن يعقل من حيث هو صنف وقرأ الحسن {ألسنتهم الكذب} بسكون النون كراهية توالي الحركات، وقرأ الجمهور: {الكذِب} بكسر الذال، ف {أن} بدل منه، وقرأ معاذ بن جبل وبعض أهل الشام {الكُذُب} بضم الكاف والذال والباء على صفة الألسنة، و{أن لهم} مفعول ب {تصف}، و{الحسنى} قال مجاهد وقتادة: الذكور من الأولاد، وهو الأسبق من معنى الآية، وقالت فرقة يريد الجنة.
قال القاضي أبو محمد: ويؤيد هذا قوله: {لا جرم أن لهم النار} ومعنى الآية على هذا التأويل يجعلون لله المكروه ويدعون مع ذلك أنهم يدخلون الجنة، كما تقول لرجل أنت تعصي الله، وتقول مع ذلك أنت تنجو، أي هذا بعيد مع هذا، ثم حكم عليهم بعد ذلك بالنار، وقد تقدم القول في {لا جرم}، وقرأ الجمهور: {أن لهم} بفتح الهمزة، وإعرابها بحسب تقدير {جرم}، فمن قدرها بكسب فعلهم فهو نصب، ومن قدرها بوجب فهو رفع، وقرأ الحسن وعيسى بن عمران {إن لهم} بكسر الهمزة وقرأ السبعة سوى نافع: {مفرَطون} بفتح الراء وخفتها، ومعناه مقدمون إلى النار والعذاب، وهي قراءة الحسن والأعرج وأصحاب ابن عباس، وقد رويت عن نافع، وهو مأخوذ من فرط الماء وهم القوم الذين يتقدمون إلى المياه لإصلاح الدلاء والأرشية، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا فرطكم على الحوض» ومنه قول القطامي:
واستعجلونا وكانوا من صحابتنا ** كما تعجل فرّاطٌ لورّاد

وقالت فرقة: {مفرطون} معناه مخلفون متركون في النار منسيون فيها، قاله سعيد بن جبير ومجاهد وابن أبي هند، وقال آخرون {مفرطون} معناه مبعدون في النار، وهذا قريب من الذي قبله، وقرأ أبو جعفر بن القعقاع {مُفَرِّطون} بكسر الراء وتشديدها وفتح الفاء، ومعناه مقصرون في طاعة الله تعالى، وقد روي عنه فتح الراء مع شدها، وقرأ نافع وحده {مُفرِطون} بكسر الراء وخفتها، وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس وأبي رجاء وشيبة بن نصاح وأكثر أهل المدينة، أي يتجاوزون الحد في معاصي الله عز وجل.
{تَاللَّهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ}.
هذه آية ضرب مثلًا لهم بمن تقدم وفي ضمنها وعيد لهم وتأنيس للنبي صلى الله عليه ولم، وقوله: {اليوم} يحتمل أن يريد يوم الإخبار بهذه الآية، وهو بعد موت أولئك الأمم المذكورة، أي لا ولي لهم منذ ماتوا واحتاجوا إلى الغوث إلا الشيطان، ويحتمل أن يريد يوم القيامة، والألف واللام فيه للعهد، أي {هو وليهم} في {اليوم} المشهور وهو وقت الحاجة والفصل، ويحتمل أن يريد {فهو وليهم} مدة حياتهم، ثم انقطعت ولايته بموتهم، وعبر عن ذلك بقوله: {اليوم} تمثيلًا للمخاطبين بمدة حياتهم، كما تقول لرجل شاب تحضه على طلب العلم: يا فلان لا يدرس أحد من الناس إلا اليوم، تريد في مثل سنك هذه. فكأنه قال لهؤلاء: {فهو وليهم} في مثل حياتكم هذه، وهي التي كانت لهم، وسائر الآية وعيد. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة} أي لهؤلاء الواصفين لله البنات {مَثَلُ السوء} أي صفة السوء من الجهل والكفر.
وقيل: هو وصْفُهم الله تعالى بالصاحبة والولد.
وقيل: أي العذاب والنار.
{وَلِلَّهِ المثل الأعلى} أي الوصف الأعلى من الإخلاص والتوحيد؛ قاله قتادة.
وقيل: أي الصفة العليا بأنه خالق رازق قادر ومجازٍ.
وقال ابن عباس: {مثل السوء} النار، و{المثل الأعلى} شهادة أن لا إله إلا الله.
وقيل: ليس كمثله شيء.
وقيل: {وَلِلَّهِ المثل الأعلى} كقوله: {الله نُورُ السماوات والأرض مَثَلُ نُورِهِ} [النور: 35].
فإن قيل: كيف أضاف المثل هنا إلى نفسه وقد قال: {فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلَّهِ الأمثال} فالجواب أن قوله: {فلا تضربوا لله الأمثال} [النحل: 74]. أي الأمثال التي توجب الأشباه والنقائص؛ أي لا تضربوا لله مثلًا يقتضي نقصًا وتشبيهًا بالخلق.
والمثل الأعلى وصفه بما لا شبيه له ولا نظير، جَلّ وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون عُلُوًّا كبيرًا.
{وَهُوَ العزيز الحكيم} تقدّم معناه.
قوله تعالى: {وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِظُلْمِهِمْ} أي بكفرهم وافترائهم، وعاجَلهم.
{مَّا تَرَكَ عَلَيْهَا} أي على الأرض فهو كناية عن غير مذكور، لكن دل عليه قوله: {مِن دَآبَّةٍ} فإن الدابة لا تَدِبّ إلا على الأرض.
والمعنى المراد من دابة كافرة، فهو خاص.
وقيل: المعنى أنه لو أهلك الآباء بكفرهم لم تكن الأبناء.
وقيل: المراد بالآية العموم؛ أي لو آخذ الله الخلق بما كسبوا ما ترك على ظهر هذه الأرض من دابة من نبيّ ولا غيره؛ وهذا قول الحسن.
وقال ابن مسعود وقرأ هذه الآية: لو آخذ الله الخلائق بذنوب المذنبين لأصاب العذابُ جميع الخلق حتى الجِعْلان في جُحْرها، ولأمسك الأمطار من السماء والنبات من الأرض فمات الدواب، ولكن الله يأخذ بالعفو والفضل؛ كما قال: {وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} {فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ} أي أجل موتهم ومنتهى أعمارهم. {لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} وقد تقدّم.
فإن قيل: كيف يعم بالهلاك مع أن فيهم مؤمنًا ليس بظالم؟ قيل: يجعل هلاك الظالم انتقامًا وجزاء، وهلاك المؤمن معوَّضًا بثواب الآخرة.
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أراد الله بقوم عذابًا أصاب العذاب من كان فيهم ثم بُعثوا على نياتهم» وعن أم سَلمة وسئلت عن الجيش الذي يخسف به وكان ذلك في أيام ابن الزبير، فقالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يعوذ بالبيت عائذ فيُبعث إليه بَعْث فإذا كانوا ببَيْداء من الأرض خُسِف بهم فقلت: يا رسول الله، فكيف بمن كان كارهًا؟ قال: يخسَف به معهم ولكنه يبعث يوم القيامة على نيته» وقد أتينا على هذا المعنى مُجَوَّدًا في كتاب التذكرة وتقدم في المائدة وآخر الأنعام ما فيه كفاية، والحمد لله.
وقيل: {فإذا جاء أجلهم} أي فإذا جاء يوم القيامة والله أعلم.
قوله تعالى: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} أي من البنات.
{وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الكذب} أي وتقول ألسنتهم الكذب.
{أَنَّ لَهُمُ الحسنى} قال مجاهد: هو قولهم أن لهم البنين ولله البنات.
{الكذِب} مفعول {تصِف} و{أنّ} في محل نصب بدل من الكذب؛ لأنه بيان له.
وقيل: {الحسنى} الجزاء الحسن؛ قاله الزجاج.
وقرأ ابن عباس وأبو العالية ومجاهد وابن مُحَيْصِن {الكُذُبُ} برفع الكاف والذال والباء نعتًا للألسنة؛ وكذا {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الكذب} والكُذُب جمع كذوب، مثل رَسُول ورُسُل وصبُور وصبر وشَكُور وشُكُر.
{لاَ} رَدٌّ لقولهم، وتَمّ الكلام، أي ليس كما تزعمون.
{جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النار} أي حقًا أن لهم النار.
وقد تقدّم مستوفىً.
{وَأَنَّهُمْ مُّفْرَطُونَ} متركون منسيون في النار؛ قاله ابن الأعرابي وأبو عبيدة والكسائيّ والفرّاء، وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد.
وقال ابن عباس وسعيد بن جبير أيضًا: مبعدون.
قتادة والحسن: معجلون إلى النار مقدمون إليها.
والفارط: الذي يتقدم إلى الماء؛ ومنه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: «أنا فَرَطُكم على الحوض» أي متقدّمكم.
وقال القَطَاميّ:
فاستعجلونا وكانوا من صحابتنا ** كما تعجّل فُرّاط لوُرّاد

والفرّاط: المتقدّمون في طلب الماء.
والورّاد: المتأخرون.
وقرأ نافع في رواية وَرْش {مُفْرِطون} بكسر الراء وتخفيفها، وهي قراءة عبد الله بن مسعود وابن عباس، ومعناه مسرفون في الذنوب والمعصية، أي أفرطوا فيها.
يقال: أفرط فلان على فلان إذا أرْبَى عليه، وقال له أكثر مما قال من الشر.
وقرأ أبو جعفر القارىء {مُفَرِّطون} بكسر الراء وتشديدها، أي مضيّعون أمر الله؛ فهو من التفريط في الواجب.
قوله تعالى: {تالله لَقَدْ أَرْسَلْنَا إلى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أَعْمَالَهُمْ} أي أعمالهم الخبيثة.
هذا تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم بأن من تقدّمه من الأنبياء قد كفر بهم قومهم.
{فَهُوَ وَلِيُّهُمُ اليوم} أي ناصرهم في الدنيا على زعمهم.
{وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة.
وقيل: {فهو ولِيّهم} أي قرينهم في النار.
{اليوم} يعني يوم القيامة، وأطلق عليه اسم اليوم لشهرته.
وقيل يقال لهم يوم القيامة: هذا وليّكم فاستنصروا به لينجيكم من العذاب، على جهة التوبيخ لهم. اهـ.

.قال الخازن:

{للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء} يعني صفة السوء من احتياجاتهم إلى الولد الذكر وكراهتهم الإناث وقتلهن خوف الفقر {ولله المثل الأعلى} أي الصفة العليا المقدسة، وهي أن له التوحيد وأنه المنزه عن الولد وأنه لا إله إلا هو وأن له جميع صفات الجلال والكمال من العلم والقدرة والبقاء السرمدي، وغير ذلك من الصفات التي وصف الله بها نفسه.
وقال ابن عباس: مثل السوء النار والمثل الأعلى شهادة أن لا إله إلا الله {وهو العزيز} أي الممتنع في كبريائه وجلاله {الحكيم} يعني في جميع أفعاله.
قوله: {ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم} يعني بسبب ظلمهم فيعاجلهم بالعقوبة على ظلمهم وكفرهم وعصيانهم.
فإن قلت الناس اسم جنس يشمل الكل وقد قال تعالى في آية أخرى {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} فقسمهم في تلك الآية ثلاثة أقسام فجعل الظالمين قسمًا واحدًا من ثلاثة.
قلت: قوله ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم عام مخصوص بتلك الآية الأخرى، لأن في جنس الناس الأنبياء والصالحين ومن لا يطلق عليه اسم الظلم، وقيل: أراد بالناس الكفار فقط بدليل قوله: {إن الشرك لظلم عظيم} وقوله: {وما ترك عليها} يعني على الأرض كناية عن غير مذكور لأن الدابة لا تدب إلا على الأض {من دابة} يعني أن الله سبحانه وتعالى، لو يؤاخذ الناس بظلمهم لأهلك جميع الدواب التي على وجه الأرض.
قال قتادة: وقد فعل الله ذلك في زمن نوح عليه السلام وروي أن أبا هريرة سمع رجلًا يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه، فقال: بئس ما قلت إن الحبارى تموت هزالًا بظلم الظالم.
وقال ابن مسعود: إن الجعل تعذب في جحرها بذنب ابن آدم وقيل أراد بالدابة الكافر بدليل قوله: {إن شر الدواب عند الله الذين كفروا} وقيل في معنى الآية ولو يؤاخذ الله الآباء الظالمين بسبب ظلمهم لانقطع النسل، ولم توجد الأبناء فلم يبق في الأرض أحد {ولكن يؤخرهم} يعني يمهلهم بفضله، وكرمه وحلمه {إلى أجل مسمى} يعني إلى انتهاء آجالهم وانقضاء أعمارهم {فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون} يعني لا يؤخرون ساعة من الأجل الذي جعله الله لهم ولا ينقصون عنه.
وقيل: أراد بالأجل المسمى يوم القيامة، والمعنى ولكن يؤخرهم إلى يوم القيامة فيعذبهم فلا يستأخرون عنه ساعة ولا يستقدمون {ويجعلون لله ما يكرهون} يعني لأنفسهم وهي البنات {وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى} يعني ويقولون: إن لهم البنين وذلك أنهم قالوا: لله البنات ولنا البنون، وهذا القول كذب منهم وافتراء على الله.
وقيل: أراد بالحسنى الجنة، والمعنى أنهم مع كفرهم، وقولهم الكذب يزعمون أنهم على الحق وأن لهم الجنة وذلك أنهم قالوا: إن كان محمد صادقًا في البعث بعد الموت، فإن لنا الجنة لأنّا على الحق فأكذبهم الله فقول {لا جرم أن لهم النار} يعني في الآخرة لا الجنة {وأنهم مفرطون} قرئ بكسر الراء مع التخفيف، يعني مسرفون وقرئ بكسر الراء مع التشديد يعني مضيعون لأمر الله وقراءة الجمهور بفتح الراء مع تخفيفها أي منسيون في النار قاله ابن عباس وقال سعيد بن جبير ومقاتل: متروكون.
وقال قتادة: معجلون إلى النار.
وقال الفراء: مقدمون إلى النار والفرط ما تقدم إلى الماء قبل القوم.
ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «أنا فرطكم على الحوض» أي متقدمكم {تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك} يعني كما أرسلناك إلى هذه الأمة لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك، فكان شأنهم مع رسلهم التكذيب ففيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم {فزين لهم الشيطان أعمالهم} يعني أعمالهم الخبيثة من الكفر والتكذيب، والمزين في الحقيقة هو الله تعالى هذا مذهب أهل السنة، وإنما جعل الشيطان آلة بإلقاء الوسوسة في قلوبهم، وليس له قدرة أن يضل أحدًا أو يهدي أحدًا، وإنما له الوسوسة فقط فمن أراد شقاوته سلطه عليه حتى يقبل وسوسته {فهو وليهم} أي ناصرهم {اليوم} ومن كان الشيطان وليه وناصره فهو مخذول مغلوب مقهور، وإنما سماه وليًا لهم لطاعتهم إياه {ولهم عذاب أليم} يعني في الآخرة. اهـ.